الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

مناظرة أصولية حول صيام الست بين مثبت اختصاص شوال بها ونافيه

بسم الله الرحمن الرحيم

مناظرة أصولية

((مناظرة أصولية حول صيام الست بين مثبت اختصاص شوال بها ونافيه ))

ـ قال المثبت: ورد تخصيصها بشوال " ثم أتبعه ستا من شوال ".  
ـ قال النافي: قد ورد "من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة" وورد "ثم أتبعه ستا".
ـ قال المثبت: هذا مطلق وما ذكرناه مقيد فيحمل عليه ما ذكرته لاتحاد السبب والحكم وهذا الحمل عند اتحادهما متفق عليه, وممن نقل الاتّفاق في هذا القسم القاضيان أبو بكر  الباقلاني وعبد الوهاب المالكي و ابن فورك وإلكيا الطبري و غيرهم حتى الإمام أبو حنيفة يوافق في هذا كما نقله الدبوسي عنه.
ـ قال النافي: سلمنا أن الثاني من باب ما ادعيته لكن الأول ليس منه ـ لأن المطلق لا دلالة له على حكم المقيد لا بنفي و لا بإثبات, فإن الإيمان مثلا في قوله "أعتق رقبة" مسكوت عنه كما قال الزركشي في البحر, بخلاف ما نحن بصدده فإن ما ادعيت إطلاقه فيه دلالة على حكم المقيد الوارد في قوله "ستا من شوال" ـ  بل من باب العام.
ـ قال المثبت: وكيف ذاك؟
ـ قال النافي: وجهه أن قوله "بعد الفطر" فيه إضافة "بعد" وهو نكرة إلى "الفطر" وهو معرفة فأفاد العموم فشمل ستا من شوال ومن ذي القعدة وهلم جرا,  وقوله في الرواية الأخرى "من شوال" فرد من هذا العموم فلا يقتضي التخصيص إذ ذكر بعض أفراد العموم لا يفيده على الأصح كذكر جلد الميتة وأنه يطهر بالدباغ ثم ورود ذكر الشاة وأنه يطهر بها.
ـ قال المثبت: هنا مقامان:
الأول: المنع جدلا.
والثاني: التسليم.
أما الأول فلا نسلم ما ذكرت وذلك لأن البعدية القريبة هي المتبادرة إلى الذهن من البعدية البعيدة فيحمل عليها, وقد أيد البعدية القريبة رواية "من شوال".
وأما الثاني فإن سلمنا فإن هذا العموم يقتضي جواز صومها في يوم عيد الأضحى وفي أيام التشريق.
ـ قال النافي: ذاك ليس بمقتض, لثبوت التخصيص وذلك من أحاديث النهي عن صومها.
ـ قال المثبت: إذن فالعموم ليس بحجة حينئذ لضعفه بالتخصيص, وإن سلمنا حجيته أقول بموجب قولك, فقد ثبت تخصيص هذا العموم وذلك من مفهوم "ستا من شوال" فإن مفهومها يقتضي عدم صحتها في غيرها, فهو نظير "إذا بلغ الماء قلتين فإنه لا يحمل الخبث" فإنه مفهومه يخصص عموم "خلق الله الماء طهورا", و التخصيص بالمفهوم هو ما ذهب إليه الجمهور خلافا للحنفية.
ـ قال النافي: المخرج في التخصيص أكثر من الباقي.
ـ قال المثبت: لا مانع منه على الصحيح.
ـ قال النافي: هذا المفهوم ليس بحجة لكونها لقبا.
ـ قال المثبت: لا نسلم لقبيته, بل هو للظرف أو الصفة أقرب, فهو نظير "وأنتم عاكفون في المساجد", و إنما لم يقولوا بمفهومه لأنه ذكر على سبيل التبعية وذلك من موانع المفهوم, أو أن الجار والمجرور متعلق بعاكفون.
ـ قال النافي: المفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق فيسقط, ويبقى المنطوق لعدم إمكان الجمع إلا بما ادعيته من جواز الصوم في غير شوال, وعلى كلا التقديرين ـ تقدير السقوط وتقدير الجمع ـ يثبت ما ادعيته.
ـ قال المثبت: إنما يقدم المنطوق على المفهوم عند تعارضهما كعامين أو خاصين, فإن كان مما نحن فيه من عمومية المنطوق وخصوصية المفهوم فيخصص المنطوق بالمفهوم كقليل الماء و كثيره.
ـ قال النافي: إن قيد "من شوال" وإن كان له فائدة إخراج غير شوال فإن له فوائد أخر كالمبادرة أو اليسر  فيسقط الاحتجاج به كما سقط الاحتجاج  بمفهموم "و ربائبكم اللاتي في حجوركم" فإن قيد الحجر له فائدة غير فائدة الإخراج وهو موافقة الواقع.
ـ قال المثبت : ما ذكرت عنه جوابان:
الأول: المنع لهذه القاعدة, وهو ما جرى عليه إمام الحرمين  وغيره ممن منع عد ما جرى على الغالب مانعا للمفهوم و ذلك  أن دليل  الخطاب ـ أي المفهوم ـ لم يثبت بمجرد التخصيص بالذكر, إذ لو كان كذلك للزم مثله باللقب, فإنه خص بالذكر ومع ذلك لم يكن حجة عند الأكثر, ولكن إنما دل على ذلك لما في الكلام من الإشعار على مقتضى حقائقه من كونه شرطا فلا يصِح إسقاط مقتضى اللفظ باحتمال يؤول إلى شيء آخر كالمبادرة واليسر,  ووافقه الإمام سلطان العلماء العز بن عبد السلام بل عكس الأمر  فقال: ينبغي العكس أي لا يكون له مفهوم إلا إذا خرج مخرج الغالب وذلك لأن الوصف الغالب على الحقيقة تدل العادة على ثبوته لتلك الحقيقة فالمتكلم يكتفي بدلالة العادة على ثبوته لها عن ذكر اسمه فإذا أتى بها مع أن العادة كافية فيها دلَّ على أنّه إنما أتى بها لتدل على سلب الحكم عما يفهم السامع أن هذه الصفة ثابتة لهذه الحقيقة  أ هـ ويقرر فيما نحن بصدده نظيره.
الثاني: التسليم بهذه القاعدة  موافقة للشافعي  ومتابعيه فيها وهي معنى كلام الزركشي  "إذا لاح للتخصيص فائدة غير نفي الحكم فيما عدا المنطوق تطرق الاحتمال إلى المنطوق و صار مجملا كاللفظ المجمل" أ هـ , لكن ثبت أن الاحتمال الذي يكسو اللفظ ثوب الإجمال هو ما كان راجحا أو مساويا كما ذكره القرافي في الفروق وقد نص على اشتراط هذا الشرط في خصوص هذه المسألة ـ مسألة القيد إذا كان له فائدة غير فائدة الإخراج  ـ  جماعة منهم تقي الدين  في شرح العنوان لأن القول بالمفهوم منشؤه طلب الفائدة في التخصيص وكونه لا فائدة إلا المخالفة في الحكم أو تكون تلك الفائدة أرجح الفوائد المحتملة, فإذا وجد سبب  احتمل أن يكون سبب التخصيص بالذكر غير المخالفة في الحكم وكان ذلك الاحتمال ظاهرا ضعف الاستدلال بتخصيص الحكم بالذكر على المخالفة لوجود المزاحم الراجح بالعادة فبقي على الأصل قال وهذا أحسن  أ هـ نقله عنه الزركشي  فما ذكر  من استحباب المبادرة غير متحقق بآخر الشهر  ثم لا فرق بين آخر شوال و أول تاليه,  فتبين أن الحكم معلق بشوال لا بما ذكر, وذلك لعدم وجود المعنى المدعى في آخر الشهر مع وجود اسم الشهر, وإن سلم وجوده فيوجد المعنى في أول تاليه ولم يوجد الاسم, إذ لا فرق.
وما ذكر من اليسر لاعتياد الصائم صوم رمضان ممنوع, ويقال فيه ما قيل في مصاحبه في الدعوى إذ لا فرق بين آخر شوال وأول ذي القعدة ثم هو غير متحقق في آخر شوال والحكم علق بشوال
ـ قال النافي: المعنى المترتب من صوم رمضان مع الست هو أن مجموعها ستة وثلاثين والحسنة بعشرة أمثالها فاقتضى هذا المعنى صحة صومها من غير شوال.
ـ قال المثبت: تقريرك للمسألة بهذا النمط يترتب عليه استنباط معنى من النص عائد عليه بالإبطال كما قالت الحنفية تقرير حجية جواز إخراج القيمة في الزكاة وهو ممنوع.
ـ قال النافي: لا نسلم أن هذا استنباط معنى يعود على النص بالإبطال بل بالتخصيص.
ـ قال المثبت: بل بالإبطال, وممن نص على هذه المسألة ـ أي مسألة الست من شوال ـ  وعدها من الباب المدعى الزركشي في البحر, وبيانها من وجوه وهي التي رد بها على الغزالي ـ الذي جعل استنباط الحنفية معنى دفع الحاجة هو المجوز لإخراج القيمة في الزكاة ـ :
الوجه الأول: أن استنباط المعنى المذكور ألغى تعلق الصوم بخصوص ست من شوال ابتداء الذي دل عليه الدليل وهذا معنى الإبطال أي إبطال التعلق.
الوجه الثاني: أنّه ألغى تعيينها و صيّر المستحب المحصور في شوال شائعا في السنة.
الوجه الثالث: يقال: وإن أجزأ صوم الست من غير شوال لكن الإبطال من حيث لم يخص الإجزاء بها فبطل لفظ "من شوال".
ـ قال النافي: سلمنا عوده عليه بالإبطال لكنه ليس معنى مستنبطا بل منصوص عليه كما في مسند أحمد وغيره عن ثوبان.
ـ قال المثبت: لا نسلم أن ذلك ينفي عنه صفة الاستنباط ألا ترى أن استدلال الحنفية على إخراج القيمة هو دفع الحاجة وهذا المعنى ورد في الخبر وهو إغناؤهم عن الطلب في ذلك اليوم ـ أي في عيد الفطر ـ ولا ينفي ذلك عنه صفة الاستنباطية, وقد مثل الإمام الزركشي في البحر لعود العلة المستنبطة على أصلها بالإبطال بقول بعض المالكية بمسألة المناظرة ونصه "ومن مثله أيْضا مصير بعض المالكية إلى الاكتفاء في إتباع رمضان بصوم ستة أيّام من غير شوال نظرا لمعنى تكميل السنة وهذا يبطل خصوص شوال الذي دل عليه النص " أ هـ فورود ذلك في النص شأن, وكونه هو العلة شأن آخر فلا يلزم من وجوده في النص عليته.

والله تعالى أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق